سورة الملك - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الملك)


        


{إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7)}
{إِذَا أُلْقُواْ فِيهَا} أي طرحوا فيها كما يطرح الحطب في النار العظيمة {سَمِعُواْ لَهَا} أي لجهنم نفسها كما هو الظاهر ويؤيده ما بعد والجار والمجرور متعلق حذوف وقع حالًا من قوله تعالى: {شَهِيقًا} لأنه في الأصل صفته فلما قدمت صارت حالًا أي سمعوا كائنًا لها شهيقًا أي صوتًا كصوت الحمير وهو حسيسها المنكر الفظيع ففي ذلك استعارة تصريحية وجوز أن يكون الشهيق لأهلها ممن تقدم طرحهم فيها ومن أنفسهم كقوله تعالى: {لهم فيها زفير وشهيق} [هود: 106] والكلام على حذف مضاف أو تجوز في النسبة واعترض بأن ذلك إنما يكون لهم بعد القرار في النار وبعد ما يقال لهم {اخسؤا فيها} [المؤمنون: 108] وهو بعد ستة آلاف سنة من دخولهم كما في بعض الآثار ورد بأن ذلك إنما يدل على انحصار حالهم حينئذٍ في الزفير والشهيق لا على عدم وقوعهما منهم قبل {تَكَادُ تَمَيَّزُ} أي والحال أنها تغلي بهم غليان المرجل بما فيه {وَهِىَ تَفُورُ} أي ينفصل بعضها من بعض.


{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)}
{مِنَ الغيظ} من شدة الغضب عليهم قال الراغب الغيظ أشد الغضب وقال المرزوقي في الفصيح أنه الغضب أو أسؤه وقد شبه اشتعال النار بهم في قوة تأثيرها فيهم وإيصال الضرر إليهم باغتياظ المغتاظ على غيره المبالغ في إيصال الضرر إليه على سبيل الاستعارة التصريحية ويجوز أن تكون هنا تخييلية تابعة للمكنية بأن تشبه جهنم في شدة غليانها وقوة تأثيرها في أهلها بإنسان شديد الغيظ على غيره مبالغ في إيصال الضرر إليه فتوهم لها صورة كصورة الحالة المحققة الوجدانية وهي الغضب الباعث على ذلك واستعير لتلك الحالة المتوهمة للغيظ وجوز أن يكون الإسناد في تكاد تميز إلى جهنم مجازًا وإنما الإسناد الحقيقي إلى الزبانية وأن يكون الكلام على تقدير مضاف أي تميز زبانيتهم من الغيظ وقيل إن الله تعالى يخلق فيها إدراكًا فنغتظ عليهم فلا مجاز بوجه من الوجوه وورد في بعض الأخبار ما يؤيد ذلك وزعم بعضهم أنه لا حاجة لشيء مما ذكر لمكان تكاد كما في قوله تعالى: {يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار} [النور: 35] وفيه ما فيه والجملة إما حال من فاعل تفور أو خبر آخر وقرأ طلحة تتميز بتاءين وأبو عمرو تكاد تميز بإدغام الدال في التاء والضحاك تمايز على وزن تفاعل وأصله تتمايز بتاءين وزيد بن علي وابن أبي عبلة تميز من ماز {كُلَّمَا أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ} استئناف مسوق لبيان حال أهلها بعد بيان نفسها وقيل لبيان حال آخر من أحوال أهلها وجوز أن تكون الجملة حالًا من ضميرها أي كلما ألقي فيها جماعة من الكفرة {سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا} وهم مالك وأعوانه عليهم السلام والسائل يحتمل أن يكون واحدًا وأن يكون متعددًا وليس السؤال سؤال استعلام بل هو سؤال توبيخ وتقريع وفيه عذاب روحاني لهم منضم إلى عذابهم الجسماني {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} يتلو عليكم آيات الله وينذركم لقاء يومكم هذا.


{قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9)}
{قَالُواْ} اعترافًا بأنه عز وجل قد أزاح عللهم بالكلية {بلى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ} وجمعوا بين حرف الجواب ونفس الجملة المجاب بها مبالغة في الاعتراف جىء النذير وتحسرًا على ما فاتهم من السعادة في تصديقهم وتمهيدًا لما وقع منهم من التفريط تندمًا واغتمامًا على ذلك أي قال كل فوج من تلك الأفواج قد جاءنا نذير أي واحد حقيقة أو حكمًا كنذر بني إسرائيل فإنهم في حكم نذير واحد فانذرنا وتلا علينا ما أنزل الله تعالى من آياته {فَكَذَّبْنَا} ذلك النذير في كونه نذيرًا من جهته تعالى: {وَقُلْنَا} في حق ما تلاه من الآيات إفراطًا في التكذيب وتماديًا في النكير {مَّا نَزَّلَ الله} على أحد {مِن شَىْء} من الأشياء فضلًا عن تنزيل الآيات على بشر مثلكم {إِنْ أَنتُمْ} أي ما أنتم في ادعاء ما تدعونه {إِلاَّ فِى ضلال كَبِيرٍ} بعيد عن الحق والصواب وجمع ضمير الخطاب مع أن مخاطب كل فوج نذيره لتغليبه على أمثاله ولو فرضًا ليشمل أول فوج أنذرهم نذير والأصل أنت وأمثالك ممن ادعى أو يدعي دعواك مبالغة في التكذيب وتماديًا في التضليل كما ينبىء عنه تعميم المنزل مع ترك ذكر المنزل عليه فإنه ملوح بعمومه حتمًا وأما إقامة تكذيب الواحد مقام تكذيب الكل فقيل أمر تحقيقي يصار إليه لتهويل ما ارتكبوه من الجناية لكن لا مساغ لاعتباره من جهتهم ولا لإدراجه تحت عبارتهم كيف لا وهو منوط لاحظة اجتماع النذر على ما لا يختلف من الشرائع والأحكام باختلاف العصور والأعوام وأين هم من ذلك وقد حال الجريض دون القريض هذا إذا جعل ما ذكر حكاية عن كل واحد من الأفواج كما هو الظاهر وأما إذا جعل حكاية عن الكل فالنذير إما عنى الجمع لأنه فعيل وهو يستوي فيه الواحد وغيره أو مصدر مقدر ضاف عام أي أهل نذير أو منعوت به للمبالغة فيتفق كلا طرفي الخطاب في الجمعية ويستشعر من بعض العبارات جواز اعتبار الجمعية بأحد الأوجه المذكورة على الوجه الأول أيضًا وفيه بحث وجوز أن يكون الخطاب من كلام الخزنة للكفار على إرادة القول على أن مرادهم بالضلال ما كانوا عليه في الدنيا أو هلاكهم أو عقاب ضلالهم تسمية له باسم سببه وهو خلاف الظاهر كما لا يخفى وكذا ما قيل من جواز كونه من كلام النذير للكفرة حكوه للخزنة وفي الكشف هذا الوجه فيه تكلف بين فأما أن يكون مقول قول محذوف يستدعيه قد جاءنا نذير كأنه قيل بلى قد جاءنا نذير قال إن أنتم إلا في ضلال كبير فكذبنا وقلنا وقدم فكذبنا وقلنا تنبيهًا على أن التكذيب لم يكن مقصورًا على قولهم هذا وأما أن يكون التكذيب واقعًا على الجملة أعني إن أنتم وقوله سبحانه وقلنا ما نزل الله من شيء عطف على كذبنا قدم على صلته ليجري مجرى الاعتراض مؤكدًا لحكم التكذيب ودالًا على عدم القصر أيضًا والأول أولى انتهى واستدل بالآية على أنه لا تكليف قبل البعثة وحمل النذير على ما في العقول من الأدلة مما لا يقبله منصف ذوي العقول.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8